أخر الاخبار

أبوزيد عاش فى جناح ملكى وتوفى فى بالوعة الصرف الصحى !!


أبوزيد عاش فى جناح ملكى وتوفى فى بالوعة الصرف الصحى
أبوزيد عاش فى جناح ملكى وتوفى فى بالوعة الصرف الصحى !!

لا يمكن أن أنسى قط هذا الشاب المسكين الذى عاش عشرون عامآ داخل قصر شاسع وتوفى بشكل غريب جدا وعجيب !!.. استوقفنى كثيرآ هذا الشاب البسيط الذى كان يملك من الحكمة والحنكة ما جلعنى أنصت له كثيرآ بل أبكى معه وأجفف له دموعة خاصة وهو يوجه رسالة شديدة البأس لوالده الذى تركه عشرون عامآ وحيدآ ومتشردآ ومتخبطآ بين دروب الحياة المختلفة !!.

أبوزيد عاش فى جناح ملكى وتوفى فى بالوعة الصرف الصحى !!

  تأرجح فى الحياة  وهو فى مقتبل العمر ولاقى فيها من الأهوال والأحزان مالا يتحمله بشر .. كان قلب هذا الشاب يبكى قبل أن تبكى عيناه وهو يتذكر والده ومأساته وحياته وطفولته التى عاشها فى الشارع متسولآ يستجدى لقمة العيش فى الوقت الذى كان فيه أشقائه منعمين وسعداء .. كان لى مهمة خاصة مع هذا الشاب شديدة الدراما والحساسية والبأس .. ولم أكن أنا وحدى الذى تأثر بحكايته ولكن بعد عرض الحلقة على التليفزيون كان هذا الشاب هو حديث مصر كلها فى ذلك الوقت !!.. ما حكاية هذا الشاب الذى يدعى أبوزيد ؟!.. وكيف عاش عشرون عامآ فى قصر شاسع وتوفى بشكل مفاجئ وغريب جدآ ليبكى عليه الشعب المصرى كله .. هيا بنا نتعرف على الحكاية ونسردهالكم كما سردها لى أبوزيد رحمه الله ونعرض لكم كواليس مالم يذاع أو ينشر عن تسجيلى التليفزيونى معه ومادار بينى وبينه حلف الكاميرات !!.

الدخول الحذر إلى بهو القصر والمباغتة  فى السادسة صباحآ !!

بدأت الحكاية عندما علمت بوجود بعض المتسولين من المتشردين وأطفال الشوارع الذين اتخذوا من قصر الخديوى توفيق الكائن بمنطقة حلوان بجنوب العاصمة المصرية القاهرة مصدر إقامة دائمة لهم مستغلين أن القصر مهجور وغير مؤمن وأبوابه مفتوحة للجميع رغم الحيثية التاريخية والمعمارية لهذا القصر الفريد الذى كان وجهة وقبلة السياح والزائرين الأجانب فى خمسينيات القرن الماضى والذى شدت على مسرحه كوكب الشرق السيدة أم كلثوم قصيدتها الخالدة الأطلال التى كتب كلماتها الشاعر الرقيق إبراهيم ناجى وهو القصر أيضآ الذى شهد تصوير أعظم أفلام السينما المصرية ومنها فيلم رد قلبى وغيرها من الأفلام .. لفت نظرى وتساءلت كيف تحول هذا القصر الفريد من نوعه إلى وكر للمتسولين والمتشردين والخارجين على القانون؟!!.. فقررت أن يكون لى مهمة خاصة داخل قصر الخديوى توفيق.. ورغم تحذير البعض لى من أن القصر ممتلئ بالمتشردين والخارجين على القانون وأن من المحتمل أن أتعرض لمكروه أو أذى إلا أننى كنت قد عزمت النية واتخذت قرارى ووضعت خطة لدخول القصر حيث تلصصت النظر وحاولت الاختباء والسير ببطء شديد والتخفى هنا وهناك وأنا أعبر أبواب القصر المهجور متعمدآ أن أضع هؤلاء االمتشردين تحت عنصر المفاجأة !!.. لذا اخترت الدخول إلى القصر بعد الشروق مباشرة وبالتحديد فى السادسة صباحآوهو ماحدث بالفعل !!.

المفاجأة عند مباغتة المتشردين ورد فعلهم الغير متوقع !!

كنت متوقع أن ألقى هجومآ او رد فعل غير محسوب من قاطنى هذا القصر المهجوركما أبلغونى بعض المحيطين بى منفريق إعداد البرنامج من الصحفيين وكما أبلغنى بعض سكان المناطق المجاورة ولكن العكس هو الذى حدث !!.. وجدت أطفال أبرياء وقد افترشوا بعض الملايات والأغطية على الأرض كى تحميهم من برودة الجو القارص .. وجدتهم نائمين فى سبات عميق . وما أن شعروا بإضاءة الكاميرات والعدسات واقترابى منهم حتى فزع أحدهم وقد تعمد إبعاد وجهه عن الكاميرا ..والغريب أن هؤلاء الأطفال الذين هم من المفترض أنهم متشردين ومتسولين وخارجين على القانون هم أنفسهم الذين ساعدونى !!.. نعم .. ساعدونى بكل شهامة ولولاهم ما استطعت أن أستكمل أهم جزء فى الحلقة على الإطلاق !..عقدتلقاءات سريعة معهم وكل واحد فيهم كان له قصة مؤلمة للغاية .. ولكن القصة الأغرب والأسوء والأشد ضراوة كانت قصة أبوزيد !!.. لم يكن أبوزيد نائمآ معهم على الأرض .. فهو أكبرهم سنآ وأقدمهم وجودآ فى هذا القصر الموحش الكبير .. لذا كان أبوزيد مميز عنهم .. فهو لاينام إلا فى الجناح الملكى !!.. نعم .. لا ينام إلا فى جناح الخديوى توفيق نفسه !!.. هذا الجناع يعلوا سطح الأرض حوالى خمسة عشرة مترآ .. ولا يوجد سلم يربط بين الأرض وبين هذالجناح الملكى المرتفع جدا!! .. فقد تهالكت السلالم بمرور الزمن .. وكان سؤالى لهؤلاءالأطفال .. كيف يصعد أبوزيد إلى هذا الجناح ؟!!.. قالوا لى  أنه يصعد له عن طريق التسلق واجتياز الصخور والأعمدة المتهالكة .. ابتسمت وقلت لهم .. وكيف أصعد  أنا له الأن؟!!. قالوا لى أنه لا يوجد أى حل سوى أن أتسلق بنفسى  الصخور والأعمدة مثل مايفعل أبوزيد ومثل ما يفعل هم عندما يريدون الصعود له !!.. أخبرونى أنهم سوف يخبرونه بأننى موجود وأنه سوف ينزل لى من جناحه الملكى كى أعقد معه لقاء تليفزيونى ولا داعى لأن أصعد له خوفآ على حياتى !! .. ولكنى أصريت أن أصعد أنا له .. وكان إصرارى وتصميمى لا لشئ سوى كى أوضح للمشاهد حجم ما يعانيه هذا الشاب وكى أجسد أيضآ تليفزيون الواقع الذى كنت حريص دومآ أن أجسده فى معظم حلقات برنامجى مهمة خاصة .. ضحك الأطفال وشعرت فيهم بالسعادة والحماس البالغ وهم يؤكدون لى بأنهم سوف يساعدونى فى الصعود إلى أبوزيد .. وبالعل ساعدونى وأخذوا بيدى بل ووفروا لى الحماية كى لا تنزلق قدماى !!.

مغامرة الصعود إلى الجناح الملكى كادت تكلفنى عمرى كله !!

ساعدنى الأطفال على اجتياز الصخور والمسافات الشاسعة بين الصخور وكادت أن تنزلق قدماى بالفعل  خاصةأن الحذاء الذى كان بقدمى لم يكن مخصصآ على  الإطلاق لهذا التسلق المفاجئ ..لأنه لم يخطر ببالى قط أن أتعرض لذلك .. ولكنها الظروف التى وضعتنى فى ذلك وفضولى وحرصى وإصراى أن أخوض التجربة بنفسى وأرصدها أمامالعدسة التليفزيونية كى أنقل المشاهد نقلآ حيآ معى إلى قلب الحدث .. تجاوزت أكثر من ثلاثة معابر مرتفعة عبارة عن صخور ثقيلة متباعدة عن بعضها بمسافات طويلة .. كان لابد أن أفتح حوض طويل وأن أكون حريصآ وحذرآ فى تقدير المسافات بين كل صخرة وأخرى !!.. وهو ماحدث بالفعل وتم بنجاح حتى وصلت إلى كوريدور الجناح الملكى !!.

الدخول لأبوزيد لم يكن سهلآ على الإطلاق 

وصلت إلى النافذة العلوية التى تعلوا سطح الأرض حوالى خمسة عشرة مترآ واستطاع زملائى المصورين أن يصعدوا ورائى بنفس الطريقة السابق شرحها ثم دلفوا إلى الكوريدور وأخذوا بيدى كى أدلف أنا الأخر ورائهم لأكون قاب قوسين أو أدنى من الغرفة الملكية التى اختارها أبوزيد كى تكون هى حجرته ومكان نومه ومعيشته!! .. وتعمدت قبل لقائى بأبوزيد أن أقوم بعمل مقدمة من على الكوبرى الخشبى الذى ابتكره أبوزيد .. فهى خشبة طولية تربط بين نافذة الحجرة الملكية وبين مكان حمامات القصر التى توجد فى الجهة المقابلة .. أبوزيد إذا أراد أن يقضى حاجته لابد وأن يجتاز هذا الكوبرى الخشبى !!.. نعم .. كوبرى خشبى شديد الخطورة .. إذا انكسر أو هوى سقط من عليه على الأرض فورآ !!.. خشبة طولية غير متوازنة تمامآ لا تتحمل سوى شخص واحد بأن يمر أو يقف عليها ولو اختل توازنه سقط فورا من على مسافة تفوق الخمسة عشرة مترآ .. تعمدت أن أقوم بعمل مقدمة وأنا واقف عليها وهو ماحدث بالفعل .

الكوبرى الخشبى كاد يهوى بى لولا ستر ربنا !!

للمرة الرابعة أو الخامسة يكون ستر الله حليف لى فى هذه المهمة الخاصة الشاقة جدا ونجحت بالفعل فى عمل هذه المقدمة السريعة من أعلى الكوبرى الخشبى الذى يربط بين الجناح الملكى وبين المبنى الأخر المقابل لها وهو المبنى المخصص لحمامات القصر .. وبعد اجراء هذه المقدمة كان لقائى بأبوزيد .. كان لقاء محال أن أنساه .. تفاصيلة فى المقال القادم حيث مازال للحديث بقية .

الإعلامى أحمد رجب
بواسطة : الإعلامى أحمد رجب
الاعلامى أحمد رجب.. ضابط شرطة سابق بوزارة الداخلية .. ومقدم برنامج مهمة خاصة على شبكة قنوات الحياة .. كاتب مستقل ومفكر.. حاصل على درجة الماجسنير من كلية الحقوق جامعة القاهرة.. خريج كلية الشرطة عام 1998 .. له العديد من البرامج التليفزيونية الناجحة وأشهرها برنامج مهمة خاصة .. تكرم من العديد من المؤسسات الرسمية والتعليمية وابرزهم وسام جامعة بنها وجامعة القاهرة ومعهد الاسكندرية العالى للاعلام .. محاضر غير متقرغ فى بعض الجامعات وابرزهم الجامعة الامريكية بالقاهرة.
تعليقات



حجم الخط
+
16
-
تباعد السطور
+
2
-