إنت نموذج حقير
إنت نموذج حقير, لا يمكن أن أنسى هذه الحلقة, التى قمت بتصويرها عام 2014, إبان عملى بقنوات الحياة, والتى شاركت فيها بعدسة البرنامج الإدارة العامة لمباحث القاهرة, وبالتحديد قطاع الجنوب, قسم شرطة المعادى, فى مأمورية أمنية استهدفت القبض على أحد الأشقياء, وشهرته اسماعيل حريقة, الصادر أمر من النيابة العامة بضبطه وإحضاره فى جريمة التخلص من الطفل سيف ابن زوجته, الذى يبلغ من العمر ثمانى سنوات, حيث تخلص منه بوحشية لايمكن ان تخطر على البال.
سر جملة انت نموذج حقير التى نطقتها بعفوية . |
وقد شاركت رجال مباحث القاهرة, اثناء قيامهم بالقبض عليه, وهو جالسأ على إحدى المقاهى النائية, المطلة على طريق الأوتوستراد, وكانت الساعة وقتذاك تقترب من السادسة صباحآ, وكان المقهى خاليآ من رواده, سوى اسماعيل الذى ظن أنه بمنأى عن أعين رجال الشرطة, وكانت أيات الذكر الحكيم تنبعث من مذياع المقهى الشعبى, والعمال يقومون برش المياة, والاستعداد لاستقبال يوم جديد, اما اسماعيل حريقة فكان يستعد لاستقبال حبل المشنقة.
مشهد الطفل داخل الثلاجة يقطع القلب
كان رئيس مباحث المعادى فى ذلك الوقت, هو المقدم محمد عاكف , الذى هو حاليآ نائب مدير الإدارة العامة لمباحث القاهرة, وكان معاونى المباحث حينذاك, هما الرواد عمارعبدالحميد ومحمد عيد, وقد ذهبت أنا وفريق عملى فى البداية إلى قسم شرطة المعادى, كى اطلع على التجهيزات والتحضيرات الأولية والخطة الموضوعة, وكل الأمور التى يجب ان اكون على علم بها قبل التصوير, وبالفعل قمت بتسجيل كل ذلك, وعرضه على شاشة التلفاز فيما بعد, وكنت فى قمة الحزن والضيق والألم بسبب قسوة هذه الجريمة, وبسبب الطفل الصغير المسكين الذى دفع عمره نتيجة أم ظالمة وزوج أم تخلى من كل مشاعر الرحمة والشفقة والإنسانية وهو المتهم إسماعيل حريقة.
وتضاعف إحساسى بالألم الشديد, عندما توجهت مع ضباط المباحث إلى مستشفى مبرة المعادى ودلفت إلى داخل المستشفى, وبالتحديد أمام الثلاجة التى كانت عبارة عن ادراج, درج يعلوه درج يعلوه درج, كما هو واضح بالصورة, وكأنها مكتبة أو أرفف للكتب, كان لدى شغف شديد, وحرص غريب, أن أشاهد الطفل, كى أرى بنفسى حجم ما تعرض له جسده النحيل, بسبب هذا الوحش الأدمى الذى تجرد من كل معانى الإنسانية, أخبرنى المقدم محمد عاكف أن المنظر سيكون سئ جدا, ولكنى كنت مصرآ على معاينة ومشاهدة الجثمان, بل ونقلت ذلك للتليفزيون بشكل سريع وخاطف, كى يعرف الجمهور حجم المأساه التى ارتكبها هذا النموذج الحقير وهذا الذئب المتوحش.
وبعد الانتهاء من التصوير داخل المستشفى, حانت اللحظة الحاسمة التى كنت انتظرها بفارغ الصبر على المستوى الشخصى, وهى لحظة استهداف المتهم والقبض عليه, حيث أكدت التحريات السرية أنه متواجد بمفرده فى إحدى المقاهى الشعبية المتطرفة القريبة من طريق الأوتوستراد دائرة قسم شرطة المعادى.
لحظة القبض على اسماعيل
كنت فى قمة التحمس والترقب وأنا داخل سيارة القناة, حيث كنا نسير خلف سيارات الشرطة تجاه المكان المعلوم والمحدد بدقة بالغة, وكلما اقتربنا من المكان, كلما اعطيت تعليماتى للمصورين بالتأكد من أن الكاميرا فى وضع التشغيل, حيث الأمر لا يحتمل أى تأخير أو بطء أو تراخى, سواء فى تشغيل الكاميرا, أو ضبط ميكروفون الصوت, أو زوايا الكادر, أو غير ذلك من النواحى الفنية والإخراجية.
لأننى كنت متعمد أن يتم التصوير الحى والواقعى والموائم للحظة القبض على المتهم, وأن يكون المشهد خالى تمامآ من أى ترتيب أو تحضير أو تنسيق, وقد بلغت السادة ضباط المباحث بذلك قبل توجهنا لمكان المأمورية, ووافقوا على طلبى واستحسنوا الأمر, وما هى إلا لحظات, حتى بدأت سيارات الشرطة تبطئ من السير, ثم تصطف على جانب الطريق سيارة تلو الأخرى.
ونزلنا جميعآ من السيارات , ووجدت المقدم محمد عاكف يبلغنى بأن السيارات سوف تقف هنا, وسوف نسير جميعآ ببطء تجاه المقهى, حتى لا يشعر المتهم بصوت سيارات الشرطة أو أى ضوضاء فيلوذ بالفرار, وبالفعل ذهبنا جميعآ مترجلين, وكنا على بعد أمتار قليلة من المقهى وما أن وصلنا حتى كانت المفاجأة.
إسماعيل يحتسى الشيشة لحظة القبض عليه
كانت المفاجأة بالنسبة لى شخصيآ, هى رعونة المتهم واستهتاره, واللامبالاة التى كانت مسيطرة عليه بشكل غريب, حيث كان يحتسى الشيشة فى استرخاء وهدوء وكأنه جالسآ على شاطئ ميامى الشهير, تخلص من الطفل منذ ساعات ويجلس يحتسى شاى بالنعناع, ودخان الشيشة الكثيف حجب عنه رؤية رجال المباحث ورؤيتن, ا فوقعت الشيشة من يده وانهار بجسده السمين على الأرض لحظة الانتباه لوجود قوات الأمن, وأصيب بذعر وارتباك أوضحته ورصدته عدسة البرنامج بمنتهى الدقة, حيث كان طاقم التصوير مستعدآ استعدادآ شديدآ لرصد هذه اللحظة الحاسمة .
اقتربنا منه جميعآ, وكانت الكاميرا سابقة لرجال المباحث أنفسهم, حتى ننقل المشاهد نقلآ حيآ واقعى لمسرح الأحداث فيشعر وكأنه بالفعل مع رجال الأمن يشاركهم دورهم الوطنى فى الحفاظ على جبهة مصر الداخلية ضد هؤلاء المجرمين, وكنت دومآ أراى هذا المتهم نموذج وضيع, ونموذج حقير جدآ, وقد نشر موقع اليوم السابع مهمتنا الخاصة هذه بكل دقة, وعرض لأهم التفاصيل والصور التى صاحبت تلك المهمة الخاصة التى كانت مثيرة للغاية.
بمجرد الاقتراب من المتهم تم تقييده بمعرفة الرائد عمار عبدالحميد معاون مباحث قسم المعادى, الذى بادر بوضع الكلابشات فى يده, تحت اشراف المقدم محمد عاكف, رئيس مباحث المعادى الذى كان ممسكآ بالجهازاللاسلكى وحريصآ كل الحرص أن يقوم باخطار القيادات الأمنية رفيعة المستوى بكل مايدور ويحدث فى هذه اللحظات, حتى تقوم هذه القيادات بدورها بنقل الأمر بشكل فورى للسيد اللواء محمد ابراهيم وزير الداخلية فى ذلك الوقت.
سر جملة أنت نموذج حقير ولماذا اصبحت ترند مصر حتى الأن
بمجرد القبض عليه, ووضع القيد الحديدى فى يده, وجدت نفسى مندفعآ وحريصآ أن اوجه له كل عبارات التوبيخ, ونسيت اننى امام كاميرا قنوات الحياة , التى كنت اقدم برنامجى مهمة خاصة على شاشتها فى ذلك الوقت, فما كان منى سوى ان قلت له وبكل عفوية, " انت نموذج حقير".
ولم تكن جملة إنت نموذج حقير الارتجالية التى قلتها له بشكل عصبى, هى السر الذى جعلها تنتشر بصورة عارمة, بقدر ماكان رد المتهم نفسه هو السر الحقيقى, وهو السر الفعلى للانتشار الرهيب لهذه الجملة, وذلك عندما رد وقال لى بكل برود " فعلا فعلا انا نموذج حقير", لتنقلب الدنيا بعدها , ويتم استخدام الجملة التى قلتها له, والرد الذى قاله لى فى مئات الألاف من الكوميكسات, التى ظل الشباب يستخدمونها بشكل يومى على مدى عشرة سنوات متواصلة.
فلو كنت خائفآ من مديرك, لانك استيقظت متاخرا وذهبت الى عملك متاخرا, فتأكد انه سوف يعنفك ويقول لك " انت نموذج حقير ", ولو غلبك النوم, ولم تذهب لصلاة الجمعة, فتأكد ان والدك سوف يقول لك نفس الجملة, ولو كنت لاعب كورة قدم, ولم تحرز الهدف رغم انفرادك بحارس المرمى, فان مدربك سوف يقول لك "إنت نموذج حقير", وهكذا ظل الشعب المصرى يستخدم هذه الجملة, ويضع عليها الصور المركبة, والتأثيرات المختلفة, ويستخدمها فى معظم مناحى الحياة.
الخاتمة
وهكذا تظل جملة إنت نموذج حقير, ويظل السر وراء هذه الجملة, نابعآ من رد فعل إسماعيل حريقة نفسه, فقد كان رد فعل غريب وغير متوقع, رغم أننا لو دققنا النظر وشاهدنا الأمر من زاوية أخرى, لنجد أن إسماعيل قد إعترف بما إرتكبه, من خلال تأكيده بأنه نموذج حقير, وأنه يستحق العقاب, لتبقى الجريمة فى النهاية لا تفيد, ويبقى لنا مقال أخر سوف نتحدث فيه عن كواليس اللقاء الثانى الذى جمعنى بإسماعيل حريقة داخل حجز قسم شرطة المعادى.