منصور العيسوى | وداعاً معالي الوزير

منصور العيسوى: الوزير العيسوي  لن يتكرر مرة أخرى، منصور عيسوي وزير الداخلية الأسبق الذى قاد مرحلة دقيقة للغاية من أهم المراحل التاريخية التي مرت بها مصر، لم ولن يتسع لها مقالة واحدة على الإطلاق. وهكذا يرحل اللواء منصور عيسوي عن عالمنا منذ شهور قليلة. ولكن تبقى شهادتنا في حقه واجب أصيل علينا، وشهادة للتاريخ، وكل الأجيال القادمة. ولا يسعنا قبل أي تفاصيل سوى أن نقول" وداعاً معالي الوزير".

منصور العيسوى

منصور العيسوي وزير داخلية مصر الأسبق

حقاً فهو مقال عن والدى الروحي، ومعلمي وأستاذي اللواء منصور العيسوي. بالفعل هو مقال من نوع خاص/ يختلط فيه الحبر بالدموع، نعم، يختلط فيه الحبر بالدموع.  وتغمر كلماته مشاعر الشجن. وتتخلل سطوره لحظات عديدة من الصمت.

بالتأكيد هو ذاك الصمت الذى شعرت به كثيراً وأنا اكتب كلمات هذا المقال. لأن كل جملة وراءها فلاش باك. وكل حرف وراءه ذكريات لا يمكن أن يُمحيها الزمن على الإطلاق. ولكن، ولمن لا يعرف اللواء العيسوي من الأجيال الحالية، دعونا نطلعكم من هو منصور العيسوي؟ فلنبدأ الحكاية.

من هو اللواء منصور العيسوي

هو ابن الصعيد البار، ابن محافظة قنا مدينة إسنا. وولد اللواء منصور عيسوى  منصور  في منتصف ثلاثينيات القرن الماضي في شهر سبتمبر بمحافظة الأقصر. وبعد حصوله على تعليمه الابتدائي ثم التوجيهية (الثانوية العامة حينذاك)، التحق فوراً بمدرسة البوليس، حيث كانت أمنيته وحلم حياته أن يصبح ضابط شرطة.

 وبالفعل، تم قبوله بمدرسة البوليس (بكلية الشرطة)، والتحق بها في أوائل خمسينيات القرن الماضي. وتخرج منها عام 1959 برتبة ملازماً تحت الاختبار بمديرية أمن القاهرة.

وصفته وكالة رويترز الإخبارية العالمية بأنه: "الوزير المصري ذو الشعبية الجارفة". ولكن لم يكن هذا من فراغ على الإطلاق. وإنما كان ذلك بسبب جهوده المضنية والمخلصة في دحض كل أوجه الفساد والخروج عن النص.

 وقد استمر في فترة المعاش مع صراع المرض، نحو ما يقرب من خمسة عشر عاماً، ليكون أول وزير يتم استدعاءه من المعاش، وإسناد منصب وزير الداخلية له في مارس عام 2011، وللفترة حتى ديسمبر من نفس العام، بعد كل هذه الفترة الطويلة جداً، في سابقة تاريخية فريدة لم تحدث من قبل.

ولم تكن هذه الثقة وليدة الصدفة أو الهوى. ولكن نظراً للظروف السياسية الخطيرة والدقيقة التي كانت تمر بها مصر في ذلك الوقت. والتي حتمت معها ضرورة وجود وزير داخلية من نوعية وطراز منصور عيسوي.

وذلك لأن هذه النوعية من نوعيات اللواء العيسوي، تعتبر من النوعيات الفريدة التي لم يجود بها الزمان إلا كل مائة عام. وبالتالي، تولى العيسوي الحقيبة الوزارية للداخلية المصرية في حكومة الدكتور عصام شرف خلفاً للواء محمود وجدى.

أسباب إسناد حقيبة الداخلية للعيسوي وشعبيته عام 2011

اللواء منصور العيسوى

لم يكن اختيار العيسوي، وإسناد منصب وزير الداخلية له وتعيينه وزيرا من فراغ كما ذكرنا. ولكن كان هنالك أسباب جوهرية عديدة وراء هذا القرار السيادي الصائب بتعيين منصور عيسوي وزير للداخلية. ويمكن أجمال هذه الأسباب في النقاط التالية:

  • عمله المضنى والمستمر  على مدى تاريخ طويل، يعتبر كل سنوات عمره. وسعيه الدائم في انتشار الأمن في كل ربوع البلاد.
  • حنكته وخبرته في شغله. وذلك في إبراز الصورة الإيجابية لوزارة الداخلية، والجوانب المضيئة والبناءة للوزارة.
  • اهتمامه الفائق وتعليماته المستمرة للاهتمام بحقوق المواطنين. وتذليل أي عقبات يشعر بها المواطن.
  • استبداله لشعار "الشرطة في خدمة سيادة القانون"، بشعار الشرطة الشهير "الشرطة خدمة الشعب". والعمل على تكريسه وتفعيله.
  • عمله المضنى والمستمر في إعادة الثقة. وتوطيد أواصر العلاقة المتينة مرة أخرى بين جهاز وزارة الداخلية، وبين الشعب المصري العظيم.
  • تغييره لمسمى أمن الدولة، واستبداله بمسمى أخر وهو "قطاع الأمن الوطني". وذلك بقرار وزاري سنة 2011.
  • لا يخشى في الحق إلا الله تعالى، ونظيف لليد بشهادة الجميع. وقضى حياته كلها يسير على هذا النهج.

وهكذا، فهذه كانت أهم الأسباب والعوامل التي بناء عليها تم اختيار اللواء منصور العيسوي وزيراً للداخلية في هذه الفترة الدقيقة من عمر الوطن. والتي بناء عليها وصفته وكالة رويترز بأنه: "الوزير ذو الشعبية الجارفة".

العيسوي والتاريخ المشرف الطويل والمناصب السابقة الرفيعة

اللواء منصور العيسوي وزير داخلية مصر الاسبق

تاريخ طويل، وسجل حافل بالإنجازات والمناصب الأمنية الرفيعة، تلك المناصب التي لم تغير في شخصيته شيئاً. ولكن ضاعفت من تواضعه وأخلاقه وتقربه الشديد من الله. وهكذا كان اللواء العيسوي على مدار حياته كلها، لا منصب ولا جاه ولا سلطان.

وقد تدرج العيسوي منذ تخرجه في العديد من المناصب الأمنية. وكلها كانت مناصب رفيعة المستوى ومشرفة للغاية، علماً بأنه رحمه الله كان دوماً هو الذى يضيف للمنصب.

حقاً كان هو الذي يضيف للمنصب، ولم يكن المنصب أبدآ قد أضاف له شيئاً على الإطلاق. ولكن كان هو الذى يترك البصمة والعلامة والتاريخ. ويمكن إجمال هذه المناصب بالترتيب التالي:

  1. بدأ ملازماً تحت الاختبار عام 1959 بمديرية أمن القاهرة. وبالتحديد قسم شرطة الأزبكية عقب تخرجه مباشره.
  2. ضابطاً بالمباحث الجنائية (المباحث العامة آنذاك) عام 1961 وما أعقب ذلك التاريخ.
  3.  منصب آخر وهو مفتش فرقة الغرب بالمباحث العامة.
  4. رئيس عمليات الإدارة العامة لمباحث القاهرة.
  5. وكيلاً للإدارة العامة لمباحث القاهرة.
  6. وشغل منصب مساعد وزير الداخلية لأمن الجيزة عام 1988.
  7. مساعد وزير الداخلية لمنطقة شمال الصعيد عام 1991.
  8. مساعد أول لوزير الداخلية مديراً لأمن العاصمة عام 1993.
  9. مساعد أول لوزير الداخلية مدير لقطاع مصلحة الأمن العام عام 1995.
  10. محافظ للمنيا عام 1996 وحتى عام 1997.
  11. صدور قرار جمهوري من الرئيس السابق حسنى مبارك، بإحالة اللواء العيسوي للمعاش عام 1997.
  12. استدعاء اللواء العيسوي من المعاش. وتكليفه وتعيينه بقرار جمهوري في منصب أخر رفيع، وهو وزيراً لداخلية مصر عام 2011.

وهكذا يكون العيسوي هو أول وزير في تاريخ وزارة الداخلية يتم استدعاءه من المعاش، وإسناد الحقيبة الوزارية له، بعد ما يقرب من 15 سنة قضاها هذا الرجل الشريف كمواطن عادى، يقطن هو وابنته بشقة متواضعة للغاية بشارع مراد بحي الدقي.

مش عاوز حواجز وحراسة تحت بيتي كلنا سواسية

حظيت بشرف لقاءه عشرات المرات. وكل لقاء فيهم كان درساً عميقاً، ومحاضرة دسمة لا يمكن أن أنساها. بالتأكيد، فإنه من المُحال أن أسرد كل هذه الأمور في مقالة واحدة. و لكن كل هذه الوقائع ستكون بإذن الله فحوى مقالات أخرى قادمة إن شاء الله.

 ولعل أبرز ما أود الإشارة إليه الأن هو موقف كان سيادته دوماً يزرعه في وجدان تلامذته ومحبيه وأعتبر نفسي  منهم. 

وذلك عندما كان يطلب منا دائماً معاملة الناس بكل بساطة وكل حب وتواضع، مؤكداً بأن المناصب في النهاية فانية وراحلة، حيث لا تبقى إلا السيرة العطرة للإنسان.

أتذكر في إحدى المرات ضرب مثال بنفسه. وكنت أتحدث مع سيادته عن بعض الاستثناءات.

 وقال لي وبالحرف الواحد: "أنا معنديش حاجة اسمها استثناءات، أنا نفسى وأنا راجع من الوزارة لقيت حاطين ليا سدادات مرور تحت بيتي، وقلبت الدنيا، وكلمت مدير أمن الجيزة، وبلغتهم يشيلوا السدادات دي فوراً لأنهم كسفوني مع الجيران بتوعي، كلنا سواسية يا ابني".

 وكنت أحاول كتم الدهشة بداخلي. ولكن تعلمت درس أخر من دروس هذا الرجل العظيم الشريف، لا يمكن أن أنساها ما حييت.

ولم يكن هذا الموقف فحسب، بل مئات المواقف، ومئات القيم والمبادئ، ومئات التعليمات والإرشادات والنصائح، التي كانت كفيلة بأن تهذب النفس البشرية،  وتسمو بالروح.  وتدعم أواصر العلاقة والثقة بين الشرطة والشعب بكل جدارة. 

وبالطبع كل ذلك سوف ينعكس بشكل مباشر على علاقة الضابط بالمواطن، خاصة وأن وزير الداخلية نفسه الذى يجلس على قمة  الهرم الأمني، كانت هذه هي مبادئه، وتوجهاته ورؤيته التي كان دوماً يعتز بها، ويحاول زرعها دائماً في نفوسنا.

الخاتمة

رحم الله أستاذي، وأستاذ كل ضباط الشرطة المصرية، اللواء منصور العيسوي، هذا الرجل الشريف، العصامي، نظيف اليد، محمود السيرة، غزير الثقافة، واسع المعرفة، دمث الخلق، مهذب الطبع، متواضع حتى الثمالة.

 رحم الله منصور عيسوى هذا الرجل العملاق الراحل الذي توفي 20 يناير 2023 عن عمر يناهز الثمانون عاما. والذى قلما ما تجود به مصر مرة أخرى. ولكن في النهاية تبقى هناك العديد من الأسرار الأخرى، والمواقف الحصرية، والكواليس المثيرة التي عاصرتها، وشاهدتها  بنفسي مع اللواء العيسوي رحمه الله.

 بالتأكيد، سوف يكون كل ذلك محل مقالة أخرى قادمة بإذن الله. رحم الله اللواء الراحل منصور العيسوي، رحم الله اللواء منصور العيسوي وزير الداخلية الأسبق، الوزير عاشق السيدة نفيسة وآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 وقد كان عزاء اللواء منصور العيسوي بمسجد الشرطة يبعث في جوارحي ذكريات لا يمكن أن أنساها أبداً. ولا يسعني سوى القول "وداعاً معالي الوزير".

Ahmed Ragab
Ahmed Ragab
تعليقات



بنترست